دمحمدالنعماني لصحيفة السفير «الوضع في الجنوب يزداد سوءاً في ظل انتشار النقاط العسكرية، التي وصلت إلى شواطئ البحر وملاعب الأطفال والمدارس وكليات الجامعة
اليمـن: تحـديات أمنيـة تبقـي شـبح التفكـك وسام متى | |
كان واضحاً منذ نهاية العام 2009 أن اليمن سيبقى، بمشاكله الداخلية وتداعياتها الخارجية، نقطة ساخنة في السياسة الدولية طوال العام التالي. فمنذ الكشف عن «المؤامرة الفاشلة» لتفجير الطائرة الأميركية فوق مدينة ديترويت ليلة عيد الميلاد، والتي قيل أن رجل الدين اليمني المتشدد أنور العولقي ضالع فيها، بدا أنّ الولايات المتحدة قد قررت فتح جبهة جديدة لـ«الحرب على الإرهاب» في دولة شمالها مشتعل بحرب بعدها إقليمي، وجنوبها مهدد بـ«حراك» ذي طابع انفصالي، ومناطقها الفقيرة تربة خصبة لـ«إرهاب جهادي». ويبدو جليّاً أن الاضطرابات الأمنية التي شهدها اليمن خلال العام 2010 ستلقي بظلالها على سلسلة الاستحقاقات التي ستشهدها البلاد خلال الأشهر المقبلة، وأبرزها الانتخابات التشريعية المقررة في نيسان المقبل، والتي تأتي وسط حال من الغليان السياسي يخشى كثرٌ من أن تكون له انعكاسات سلبية على الوضع الأمني المتوتر أصلاً. صعدة: هدنة هشة ولعلّ في الامتداد الجغرافي للاضطرابات التي عرفها اليمن خلال الأشهر الماضية ما يبرر مخاوف المراقبين في الداخل والخارج من شبح التفكك الذي ما زال يحوم فوق البلاد. ففي الشمال، وبالرغم من أن العام 2010 سجّل انتهاء «الحرب السادسة» بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين، بوساطة قطرية، فإنّ اتفاقية النقاط الست لوقف القتال ما زال تطبيقها موضع تجاذب بين طرفي النزاع. ويقول رئيس تحرير موقع «نشوان نيوز» عادل الأحمدي لـ«السفير» إن الوضع في المحافظات الشمالية (صعدة، والجوف، وعمران) ما زال «متردّياً للغاية»، عازياً السبب إلى «غياب سيطرة الدولة، وقيام أتباع الحوثي بتصفيات تستهدف أبناء القبائل غير الخاضعين له، وهو أمر أدّى إلى وقوع اشتباكات متقطعة، وأوجد حالاً من السخط والتذمر في صفوف المواطنين تجاه الحوثي والحكومة على حد سواء، قبل أن يدخل تنظيم القاعدة على خط الأزمة عبر تبنّيه عمليات تفجير في صعدة والجوف». وفي هذا الإطار، يؤكد الكاتب الصحافي اليمني فيصل الشبيبي لـ«السفير» أن «ملف التمرّد الحوثي لم يطوَ بصورة نهائية»، لكنه يرى أن «طرفي الصراع قد وصلا إلى نقطة التقاء واحدة، وهي القناعة بعدم خوض حرب جديدة، باعتبارها خاسرة بكل المقاييس»، لافتاً إلى أنّ «قطر ما زالت تواصل مساعيها لإغلاق هذا الملف، لكن ثمة مخاوف في أوساط المراقبين من تجدد الصراع، خاصة أن الحوثيين لم ينفذوا ما التزموا به كشرط لإيقاف الحرب، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول نواياهم». «الحراك الجنوبي» أما في الجنوب فالوضع يتحوّل من سيء إلى أسوأ، وذلك في ظل المواجهات شبه اليومية بين قوات الأمن وأنصار «الحراك الجنوبي» المطالب بفك الارتباط عن الشمال. ويوضح الأحمدي أن مناطق عديدة في محافظات لحج والضالع وأبين تشهد عمليات وهجمات متقطعة تستهدف دوريات الأمن، وتقوم بها عناصر مسلحة تابعة لـ«الحراك الجنوبي»، لكنه يشير إلى «انقسام واضح بين قادة فصائل الحراك حول أساليب الاحتجاج والموقف من أعمال العنف، فضلاً عن الاختلافات المرتبطة بسقف المطالب». بدوره، يؤكد الشبيبي أن «الحراك الجنوبي يشهد حالياً انقسامات حادة في صفوف قياداته، وذلك على خلفية مطالبة البعض بالانفصال، الأمر الذي قوبل برفض مطلق من جميع مكونات الشعب اليمني، وأفقد الحراك شرعيته، وشلّ حركته إلى حد كبير. ومع ذلك فإن ما يجري في الجنوب يبقى تحدياً أمنياً يستوجب المعالجة السريعة، وذلك عبر إيجاد الحلول المرضية في إطار الدستور والقوانين النافذة». من جهته، يقول المحلل والمعارض السياسي اليمني محمد النعماني لـ«السفير» إنّ «من يراقب الأوضاع في اليمن سيجد انفلاتاً أمنياً واسعاً في المحافظات الجنوبية، حيث توجد حالات من الفوضى وانهيار للسلطة الحاكمة، وذلك في ظل غياب الدولة وتفشي الفساد الذي أصبح علامة بارزة في اليمن، فضلاً عن انتهاك الحريات وملاحقة الكتاب وإغلاق الصحف». ويعتبر النعماني أنّ ما يحدث حالياً «يكشف عن حقيقة واحدة، وهي تراجع الحريات والديموقراطية، ويؤكد أن من يحكم اليمن دكتاتور عسكري وأسرة واحدة تنهب كل خيرات الوطن، وتصنع الفقر والمجاعة، وتفسد المجتمع، وتفتعل الأزمات لخلق مناخ من عدم الاستقرار الأمني يسهل عليها النهب والسرقة». ويرى النعماني أن «الوضع في الجنوب يزداد سوءاً في ظل انتشار النقاط العسكرية، التي وصلت إلى شواطئ البحر وملاعب الأطفال والمدارس وكليات الجامعة في عدن، فضلاً عن قيام السلطة الحاكمة بشن الحرب وفرض الحصار على مناطق عديدة في الجنوب مستخدمة كافة أشكال الأسلحة، بالرغم من أن النضال في الجنوب يتخذ طابعاً سلمياً». «القاعدة» وبين الشمال والجنوب، ثمة تهديد آخر، لا يخلو من الخطورة، خصوصاً أن امتداداته داخلية وخارجية. فعلى مدى الأشهر الماضية، كثف تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» من وتيرة عملياته ضد قوات الأمن اليمنية، قبل أن يتخذ منحى عالمياً بعدما أثارت الطرود المفخخة التي أرسلت من اليمن في تشرين الثاني الماضي حالاً من الذعر على ضفتي الأطلسي، وما رافق ذلك من بروز لافت في وسائل الإعلام الأجنبية لرجل الدين الأميركي المتشدد اليمني الأصل أنور العولقي، الذي ذهب البعض إلى حد تسميته بـ«بن لادن اليمن». ويصف الأحمدي العام 2010 بأنه «عام أنور العولقي»، الذي ظهر اسمه للمرة الأولى بعد حادثة إطلاق النار التي نفذها الرائد الأميركي من أصل فلسطيني نضال مالك حسن في قاعدة «فورت هود» في ولاية تكساس في تشرين الثاني العام 2009، ما أدخل اليمن في دائرة الحرب الأميركية على الإرهاب، واستتبع قيام الطيران الأميركي بشن غارات استهدفت مواقع مفترضة لـ«القاعدة» راح ضحيتها عشرات الأبرياء. ويشير الأحمدي إلى أنّ تنظيم «القاعدة» اتخذ من اليمن مقراً له بعدما تمت محاصرته بنجاح في السعودية، ويحاول أن يجعل بعض المناطق (كشبوة ومأرب وأبين) نقطة انطلاق لعمليات ضد مصالح حكومية وأجنبية في اليمن والسعودية، لكنه يرى أن التنظيم «يستنزف جهوده الآن في محاولات التخفي والهروب من الملاحقات الأمنية». من جهته، يشير الشبيبي إلى أن اليمن تمكن إلى حد كبير من تحقيق نجاحات مهمة في شل حركة عناصر «القاعدة» وعزلها في مناطق محدودة جداً، مشيراً إلى أنّ السلطات اليمنية بصدد إنشاء أربع وحدات خاصة بمكافحة الإرهاب في أربع محافظات يتواجد فيها عناصر التنظيم. ويضيف أنه «إذا ما نظرنا إلى نشاطات التنظيم خلال الفترة الأخيرة، لوجدنا أنها لا تمثل إلا النذر اليسير، مقارنة بعملياته السابقة كاستهداف المدمّرة الأميركية (يو أس أس كول) في خليج عدن عام 2000، وناقلة النفط الفرنسية (ليمبرج) قبالة سواحل حضرموت عام 2002». برغم ذلك، يرى الأحمدي أن «الضغوط الأميركية المتتالية على الحكومة اليمنية، بما في ذلك إملاء أساليب معينة في مكافحة القاعدة، قد أثر سلباً على أداء الأجهزة الأمنية اليمنية في ملاحقة هذا التنظيم المطلوب عالمياً»، معتبراً أن «مكافحة القاعدة في اليمن تتطلب مجهوداً اجتماعياً إلى جانب المجهود الأمني، وهو أمر يبدو أن إدارة مكافحة الإرهاب في واشنطن لا تدركه حتى الآن». ويتفق الشبيبي مع هذا الرأي، إذ يشدد على أنّ «جزءاً كبيراً من حل هذه المعضلة يكمن في الجانب الاقتصادي»، معتبراً أنه «يتعيّن على السلطات اليمنية إيجاد آلاف فرص العمل أمام الشباب كي تضمن عدم انخراطه في صفوف القاعدة، بالإضافة إلى الاستمرار في تجربة الحوار التي نجحت إلى حد كبير في ثني عدد من عناصر التنظيم عن أفكارهم المتشددة». لكن ثمة من يرى بعداً آخر لمعضلة «القاعدة»، إذ يشير الكاتب الصحافي اليمني محمد العمراني لـ«السفير» إلى أنّ «هناك تهويلاً كبيراً بخصوص التنظيم تستثمره السلطة للحصول على دعم من المجتمع الدولي»، لافتاً إلى ان السلطة ضخمت من حجم تنظيم القاعدة لكي تقول للمجتمع الدولي: نحن ضحية الإرهاب فادعمونا». بدوره، يعتبر النعماني أن «تنظيم القاعدة صناعة يمنية مئة في المئة، وتابع للقصر الرئاسي، والهدف منه ابتزاز دول الجوار ودول العالم تحت مسميات مكافحة الإرهاب». ويشير النعماني إلى أنّ «أجهزة الأمن والاستخبارات وبعض المقربين من الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يشرفون بشكل مباشر على أنشطة التنظيم، ويستخدمون عناصره في مواجهة المعارضين السياسيين لتمرير مشروع توريث الحكم لنجل الرئيس، أحمد علي عبد الله صالح، الذي يتولى قيادة القوات الخاصة في الحرس الجمهوري». لعل في التفسيرات المتباينة بين اليمنيين حول حقيقة ما يجري في بلادهم ما يعكس طبيعة تلك العلاقة الجدلية التي تربط السياسة بالأمن في بلد يواجه في كل لحظة شبح الانهيار والتقسيم، ما يضع الجميع أمام مسؤولية إنجاح الحوار الوطني، وهو اختبار قد تتضح نتيجته في الاستحقاق الانتخابي القريب. | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق